annonce

jeudi 2 février 2017

دروس في الفلسفة السنة الثانية باكلوريا (درس السعادة)



السعـــــادة
مدخـــل :
       لا شك في أن السعادة تمثل مطلبا مشتركا بين كل الناس باعتبارها حالة يحصل فيها الإرضاء التام للذات عبر إشباع حاجياتها ورغباتها المختلفة..غير أنه بمجرد ما نشرع في تمثل الدوافع والغايات التي تقف وراء طلب الإنسان للسعادة حتى تطفو على السطح الإختلافات الشديدة التي تكتنف تصور السعادة سواء تعلق الأمر بالإنسان العادي الذي ترتبط سعادته بمتطلبات الحياة اليومية من مال إذا كان معوزا وصحة إذا اعتراه المرض..إلخ، أو بتصورات الفلاسفة المتنوعة لماهية السعادة وسبل تحصيلها، أو علاقتها بالذات والغير..

المحور الأول :                      تمثـــلات السعــــادة

       مادامت غاية الفيلسوف هي صياغة مفاهيم ثابتة ومطلقة تسمح باستيعاب ماهية الشيء بصورة نظرية تتجاوز ما هو حسي متغير، فكيف تم النظر إلى السعادة في هذا السياق ؟ هل تمثل حالة قابلة لتحديد عقلي - نظري يكشف عن ماهيتها الثابتة، أم تظل بفعل طبيعتها الحسية المتغيرة متعذرة عن التعقل ؟
+ أرسطــو :                                               
         يؤكد على أن السعادة هي فعل يتطلب الجهد والمثابرة وليست ملكة فطرية وإلا لكانت في متناول من يقضي حياته نائما أو من أحاطت به أشد المصائب.. ولا يعني اعتبار السعادة فعلا أنها تطابق بقية الأفعال التي يريد بها الإنسان بلوغ غاية ما، بل هي غاية في ذاتها وكل ما عداها من أفعال ليس سوى وسيلة لتحقيقها،وذلك لأن السعادة تطلب لذاتها ولا توجد غاية أسمى منها.. وما دامت السعادة مطلوبة لذاتها فإنها تصبح مرادفة للفضيلة التي يحددها "أرسطو" في الحكمة والاعتدال. فعن طريق التأمل العقلي يتم إدراك الفضائل وترجمتها على الصعيد العملي من خلال التوسط في الأمور أو عدم الإفراط والتفريط ، الأمر الذي يجعل السعادة رهينة بتحكم العقل والإرادة لكونها لا تتحقق إلا في إطار الفضيلة التي هي جد واجتهاد بدل أن تكون لهوا ومتعة ..
+ كـانـــط :                                  
       يرى أن السعادة رغم كونها مطلبا لكل إنسان، فإن تحديدها يظل غامضا حتى بالنسبة للفرد الواحد الذي نجده غير قادر على صياغة تصور واضح ونهائي لسعادته الشخصية. والسبب يكمن في ارتباط السعادة بتمثلات حسية تختلف من شخص لآخر مثلما تتباين عند الفرد حسب الحالات التي يمر بها. ومن ثم يتعذر وضع مفهوم عقلي مطلق للسعادة، على غرار مفهوم الواجب مثلا، نظرا لاستحالة تحديد معنى أن يكون الإنسان سعيدا بشكل تام ومطلق، أي في حاضره وفي حياته المستقبلية كلها في ظل ارتهان السعادة برغبات حسية لامتناهية. وبناء عليه، يعتبر "كانط" أن السعادة هي مجرد مثل أعلى للخيال وليست مفهوما قابلا لصياغة عقلية تسمح لنا بتمثل صوري لها.
            هكذا يتضح أن السعادة تتحدد كفضيلة يكد الإنسان في السعي نحوها بوصفها غاية في ذاتها من منظور أرسطي يعكس التصور التقليدي اليوناني الذي كان يجعل من غاية الأخلاق أو الفضائل بلوغ السعادة، بخلاف التصور الكانطي الذي يميل إلى تطهير المجال الأخلاقي من الغايات وعلى رأسها السعادة التي تتمنع عن التعقل لتظل مجرد مثل أعلى للخيال..

المحور الثاني :                السعـي وراء السعـــادة

             إذا كانت السعادة تعتبر مطمحا إنسانيا رغم الاختلاف في تحديد مضمونها أو ماهيتها، فما هي السبل الكفيلة ببلوغها في ظل تنوع المقاربات الفلسفية ؟
             من أهم المواقف التي أنتجتها الفلسفة اليونانية حول سبل تحصيل السعادة ما تجسد في الإختلاف بين المدرسة الأبيقورية التي أكدت على مبدأ البحث عن اللذة واجتناب الألم معتبرة بالتالي أن تحقيق اللذة كفيل بضمان السعادة، وبين المدرسة الرواقية التي اعتبرت اللذة عائقا ينبغي التخلص منه لبلوغ السعادة التي لا  تتحقق إلا في إطار العيش وفقا للقانون الطبيعي بصورة تجعل الإنسان يتقبل كل ما يحصل له دون حزن أو خوف..ونجد في العصور الحديثة استمرارا لهذا الانشغال بتحديد الطرق المؤدية إلى السعادة خصوصا وأن الإنسان قد دخل مرحلة جديدة من التطور الذي انعكست آثاره المتنوعة على حياته، ومن بين هذه المواقف : 
 + روسو :                                                                                           
         تمثل حالة الطبيعة عند "روسو" تجسيدا للسعادة الحقيقية لأن الإنسان كان يعيش في انسجام تام سواء مع ذاته أو مع الطبيعة، فلم يكن يعرف الحرمان والشقاء نظرا لما كان يتميز به من قناعة بالعيش البسيط، ولأن خيرات الطبيعة كانت كفيلة بإشباع حاجياته التي لم تكن تتجاوز حدود ما هو ضروري للحياة..فالإنتقال إلى الحياة المدنية الاجتماعية هو الذي سيخلق لدى الإنسان مطالب جديدة هي عبارة عن كماليات سرعان ما تحولت بفعل التعود عليها إلى حاجيات ضرورية أصبح الإنسان يشقى إذا افتقدها دون أن يكون سعيدا حين يظفر بها..! ولذلك لم يعد أمام الإنسان سوى الحنين إلى الماضي السعيد مادام سعيه وراء السعادة في حالته الراهنة هو في الحقيقة سعي وراء الشقاء..!
+ هـــيــوم :                                               
            يرى أن الإحساس بالسعادة أو الشعور بالشقاء يرجع، من جهة أولى ،إلى رهافة الإحساس التي تميز بعض الناس فتجعلهم يفرحون أمام الأحداث الطيبة ويحزنون إزاء ما يناقضها من وقائع؛ ومن جهة أخرى إلى ما يتصف به البعض الآخر من رهافة الذوق التي تقف وراء التمتع بكل ما هو جميل والنفور من القبيح. وما دامت دائرة السعادة أو الشقاء تتسع أو تضيق في علاقتها برهافة الإنسان الحسية والفنية، يدعو "هيوم" إلى تهذيب الذوق الجمالي كسبيل يتيح التقليص من مساحة التعاسة والألم ويفتح آفاق الاقتراب من السعادة. فالسمو بالذوق الفني هو الذي يمكن الفرد من اختيار المجالات والمواضيع الجمالية الأكثر قدرة على خلق الشعور بالسعادة سواء كانت إبداعات شعرية أو موسيقية أو تشكيلية.
             يتأكد إذن من خلال هذين النموذجين اللذين ينتميان إلى الفلسفة الحديثة أن الحلول المقدمة لبلوغ السعادة تتراوح بين نزعة رومانسية تعبر عن الحنين إلى ماض جسد وحده سعادة الإنسان الذي لا يجد في المدنية الحديثة إلا أسباب الشقاء (روسو)، وبين نزعة جمالية تعتقد في إمكانية تحصيل السعادة إذا تم توفير تربية فنية من شأنها أن تضمن للفرد التمتع بجمالية الأعمال الإبداعية (هيوم).

 المحور الثالث :         السعــادة والواجـــب

             باعتبار الإنسان كائنا اجتماعيا يتأثر ببقية الأفراد مثلما يؤثر فيهم، فهل تتحقق سعادته بصورة ذاتية أم تتبلور في سياق ارتباطه بالغير؟ وبأي معنى تصبح السعادة واجبا نحو الذات وتجاه الآخرين ؟
+ برتراند راسل :       
           يرفض الإعتقاد الذي ينساق وراءه معظم الناس والقائم على ربط السعادة بالمتعة المادية التي تتحقق من خلال تتبع صيحات الموضة أو ممارسة الهوايات المختلفة، حيث يعتبر هذه الأنشطة مجرد وسائل للهروب من الواقع وما ينطوي عليه من تعاسة وألم. فالسعادة الحقيقية تنمو في إطار العلاقات الإنسانية حيث تنفتح الذات على الأغيار الذين يرتبطون بها وتبدي اهتمامها بهم من خلال مشاعر التقدير والمحبة التي ينبغي أن تظل تلقائية طبيعية لا تبلغ حد الإفراط الذي يحولها إلى مصدر للتعاسة، كما لا يجب أن تنبثق من مبدأ الواجب وفكرة التضحية بالذات. فالحب الذي نبديه تجاه أكبر عدد من الناس، من غير تكلف ودون انتظار المقابل، هو أعظم مصدر للسعادة الشخصية.
+ إميل شارتيي (آلان) :                                                    
           يؤكد على أن إمكانية حصول مسرة السعادة رهينة بسعي الفرد في طلبها مهما بلغت شدة الصعوبات التي قد تقف في طريقه. فبدل الاستسلام للمعيقات الخارجية، أو الإقرار بالهزيمة أمام العوامل المثيرة للاستياء، يظل واجب الإنسان تجاه ذاته هو المثابرة في طلب السعادة لأنه بدون توفر الإرادة والرغبة ينعدم الأمل في بلوغها. وهذه السعادة التي يحصل عليها الفرد من أجل ذاته غالبا ما تجعله محبوبا داخل المجتمع، حيث يجد فيه الآخرون صورة نموذجية للحياة الاجتماعية المرغوب فيها أو التي تخلو من أسباب التعاسة، وبذلك يكون إسعاد الذات أفضل هدية وأعظم واجب نحو الغير.
             بهذا يتبين أن تناول السعادة في مجال العلاقات الإنسانية يجعل منها واجبا أخلاقيا نحو الذات والغير معا، حيث يكون إسعاد الآخرين مصدرا لنيل السعادة الشخصية (راسل)، أو يصبح إسعاد الذات شرطا ضروريا لإسعاد الغير (آلان).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire