annonce

jeudi 2 février 2017

دروس في الفلسفة السنة الثانية باكلوريا (درس العنف)



العنـــــــف
مـدخــــــل :
           يستخدم لفظ العنف لوصف كل سلوك عدواني، فرديا كان أو جماعيا، يقوم على استخدام القوة بهدف إخضاع الغير ضدا على إرادته . ومعنى ذلك أن القصدية هي التي تجعل من سلوك ما عنيفا، وليس فقط ما يترتب عن الفعل من آثار تدميرية . فقد نتحدث عن عنف مدمر يكون مصدره الحيوان أو الطبيعة، ولكنه عنف مجازي لا يحمل أي معنى في ذاته ما دام غير صادر عن نية وإرادة حرة..  فالعنف ،إذن، يخص الإنسان بوصفه الكائن الوحيد الذي يتخذ لديه هذا السلوك شكل تصرف واع غايته إلحاق الأذى بالغير بأساليب مختلفة، قد تبدأ بالإشارة والكلام وتبلغ أقصى درجات القسوة في فعل القتل الذي لا يتم الاكتفاء فيه بإعدام إرادة الإنسان في الاختيار فحسب، بل يتم إعدام الإنسان نفسه، مما جعل بعض العلماء المهتمين بدراسة السلوك الحيواني والإنساني  يعتبرون أن الإنسان هو " الحيوان الوحيد الذي يقتل ضمن جنسه ".!    
        ( هنري لابوريتH-Laborit).. كما أن التاريخ البشري، في المنظور الديني ، قد بدأ بحادثة قتل  "قابيل"  لأخيه  "هابيل" ، مما يؤكد تجذر العنف في الوجود البشري أو الطبيعة الإنسانية..    
                                                               
         بهذا المعنى ، يبدو العنف مكونا أساسيا للوجود البشري ولا يشكل استثناء رغم أن الإنسان يظل متعلقا بالأمل في التحرر منه. فرغم النزوع المستمر نحو تحقيق إنسانيته، يجد الإنسان نفسه مشدودا إلى عنفه أو عدوانيته  الحيوانية، وليس تاريخه سوى تجسيدا لهذا الصراع بين طبيعته الحيوانية التي حاولت النظريات الدينية والأخلاقية ترويضها، وبين طموحه الإنساني الذي يظل عبارة عن مشروع مفتوح وغير مكتمل أو نهائي.                                                                                                                          
        وعموما، فالعنف ظاهرة بشرية تستوطن الوجود الإجتماعي وتشمل كل مناحي الحياة (بيولوجية - نفسية - اجتماعية )، سواء تجسدت في عنف مادي -  فيزيائي تتم ممارسته بوسائل إكراه ملموسة ،أو في عنف رمزي يستند إلى أساليب نفسية أو ممارسات ثقافية. فالعنف حاضر في الأسرة والشارع والمدرسة دون أن يخلو سلوك الدولة ذاتها منه ؛ بل أضحت مشاهد العنف التي تمطرنا بها وسائل الإعلام المرئية وجبة يومية تبلغ بالعنف حد الإبتذال..!                                            
               وبناء على ذلك، يتأكد أن العنف ظاهرة إشكالية تطال مجالات متعددة وتقترن بمفاهيم كثيرة مثل القوة والعدوانية والسلطة والحق والقانون؛ الشيء الذي يجعلها ظاهرة تستفز الفكر البشري وتدعوه إلى البحث في منشأ العنف ومظاهره وأشكال حضوره في التجربة التاريخية للإنسان، علاوة على مدى ضرورته أو مشروعيته في علاقته بما هو قانوني وأخلاقي. 

  المحور الأول :                    أشكــال العنــــــــــف

   إذا كان العنف ملازما للوجود البشري، فما هي المظاهر التي يتجلى فيها ؟ هل يتخذ شكل سلوك عدواني فردي تقف وراءه دوافع غريزية، أم يكتسي طابع السلوك الجماعي الذي يفسر بعوامل اجتماعية وسياسية ؟
  + كونراد لورنتز :                                                        
         من منظور فيزيولوجي يهتم بدراسة تطور الأنسال ( Phylogénétique)،لاحظ " لورنتز"  بأن السلوك العدواني لدى الحيوان لا ينطوي على خطورة إبادة الجنس الذي ينتمي إليه.. فبفضل الإنتقاء الطبيعي تكونت عند الحيوانات آليات فيزيولوجية وظيفتها تلافي بلوغ العنف حد القتل ضمن النوع الحيواني الواحد، بحيث لا يهدد الصراع وجود النوع بقدر ما يعمل على الحفاظ عليه.                                          
           وإذا كانت هذه العدوانية مشتركة بين الحيوان والإنسان بحكم القرابة الموجودة بينهما ككائنات حية أو طبيعية، فإن العنف الحيواني يظل محدودا لا يهدد وجود الحيوان  واستمراره كنوع، بينما يبدو الإنسان مهددا بالإبادة لأن عدوانيته موجهة نحو جنسه البشري عن طريق قتل الإنسان لأخيه الإنسان. ومن ثم ارتأى "ك – لورنتز" البحث عن كوابح لهذه العدوانية في الغريزة - قياسا على الحيوان - لأن التأثير ، الذي طالما اعتقد فيه الفلاسفة ، للعقل والمسؤولية الأخلاقية يبدو محدودا في ضبط السلوك العدواني للإنسان.

 + كارل فون كلوزفتش :                                                         
       يرى أن الحرب تمثل أقسى مظاهر العنف باعتبارها فعلا يقوم على استخدام غير محدود للقوة غايته إرغام الغير على الخضوع عبر تحطيم قدرته على المقاومة كما يتضح من قوله : "الحرب عمل من أعمال العنف يهدف إلى إرغام الخصم على تنفيذ إرادتنا ".. ولتحقيق هذه الغاية تعتمد الحرب على الإستعانة بكل الأجهزة والتقنيات التي يوفرها التقدم الصناعي والعلمي، حيث لا يعرف استخدام القوة حدودا معينة قد تقف دون الوصول إلى إخضاع الخصم. ومن ثم فالحرب لا تتغير من حيث طبيعتها كسلوك بشري عنيف موجه ضد إرادة الغير، وذلك حتى وإن كان من الممكن -  في بعض الظروف - التخفيف من حدتها. فالحروب التي تدور بين الشعوب "المتحضرة"، في نظر "كلوزفتش"، أقل ضراوة وعنفا نظرا للتقدم الحاصل في المجال الإجتماعي والقانون الدولي، مقارنة مع الحروب التي تخوضها الشعوب "المتوحشة"، لكن جوهر الحرب يظل هو هو، أي ممارسة للعنف من أجل إجبار المنهزم على الإستجابة لمطالب المنتصر وتنفيذ إرادته.
       هكذا، يتبين أن العنف تتنوع أشكاله ومظاهره..فعلاوة على إمكانية التمييز بين عنف مادي وآخر رمزي يختلفان من حيث طبيعة الوسائل المستخدمة، فالعنف بوصفه استخداما للقوة ضد إرادة الغير قد يأخذ شكل عدوانية فردية متأصلة في الطبيعة الحيوانية للإنسان، وذلك في سياق مقاربة تنظر إلى ماهية الإنسان في بعدها البيولوجي ( ك – لورنتز ). وقد يتمثل هذا العنف في الحرب كفعل جماعي مدمر يخص الإنسان وحده بوصفه كائنا اجتماعيا وسياسيا ( كلوزفتش ).

 المحور الثاني :                           العنــف في التاريــــخ

        يبدو أن العنف سلوك مترسخ في التجربة الإنسانية الفردية والجماعية، الأمر الذي يتطلب تحديد علاقته بالتاريخ البشري وطبيعة الأدوار التي يمكن أن يضطلع بها في مساره وصيرورته..فبأي معنى يمكن الحديث عن دور للعنف في التاريخ ؟
 + فريدريك إنجلز :                                                                         
                تعطي الفلسفة الماركسية أهمية قصوى للعامل الإقتصادي في تطور المجتمعات البشرية كما يتضح ذلك في نظرية أنماط الإنتاج التي يمثل فيها الإنتقال من نمط إنتاج إلى آخر تقدما على المستوى الإقتصادي والإجتماعي..فمع بروز المجتمع الطبقي القائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، أصبح كل نمط إنتاجي ينطوي على تناقض بين قوى وعلاقات الإنتاج يعبر عن نفسه في صورة صراع طبقي عنيف يؤدي إلى تحول ثوري عندما يبلغ درجته القصوى. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن عنف إقتصادي يظل سمة ملازمة لتطور المجتمعات الطبقية، ويحدد كذلك مسار العنف السياسي لأن الحالة الإقتصادية هي التي تتحكم في  النظام السياسي بشكل يجعله مهددا بالزوال عندما يصبح عقبة في وجه التطور الإقتصادي كما تؤكد ذلك حالة كل من الثورة الفرنسية وألمانيا وروسيا.
+ سيغموند فرويد :                                                       
          يؤكد مؤسس التحليل النفسي أن الإنسان مزود طبيعيا بالميل نحو العنف كوسيلة لحسم الصراع لصالحه، مثله في ذلك مثل الحيوان وإن كان يلجأ أحيانا إلى طرق "حضارية "..فهو يرى أن هناك قوتين أو غريزتين تتفاعلان بشكل معقد داخل الكائن البشري هما غريزة الحياة التي تنزع نحو الإستمرار في الحياة والحفاظ عليها (إيروس  Eros )، وغريزة الموت التي تميل إلى العدوان والتدمير أو إنهاء الحياة (تاناتوسThanatos). وغالبا ما تتداخل الغريزتان في توجيه سلوك الفرد الذي يصبح بذلك تجسيدا لرغبة الإنسان في الخلق والبناء  وميله -  في ذات الوقت -  نحو الهدم والتدمير..(حسب " فرويد" يتجلى هذا التفاعل بين غريزتي الحياة والموت في كل سلوك بشري سواء كان يتمثل في الأكل أوالحب أوالحرب...).        
       وبناء على هذا التصور، يعتبر "فرويد" العنف ملازما للوجود البشري كما يشير إلى ذلك في رسالته إلى "إينشتاين" التي يؤكد فيها أن الحل العنيف للصراعات لا يمكن تحاشيه داخل الجماعات البشرية، وأن قراءة التاريخ تكشف عن سلسلة من الصراعات التي كانت تسوى دائما بالقوة العنيفة..وفي هذا السياق، يرى أن الإنسان قد مارس ، في البداية ، العنف العضلي لتقرير حقه في ملكية الأشياء والهيمنة على الآخرين قبل أن تتعزز القوة الجسدية بالعقل مع ظهور الأدوات أو الأسلحة..غير أن أهم ما ميز مسار العنف ، لاحقا ، هو إتحاد الضعفاء بهدف كسر القوة المتفوقة للفرد الواحد، الشيء الذي سينجم عنه إضفاء صفة الحق أو القانون على قوة الجماعة، وبذلك شكل العنف منبعا انبثقت منه التشريعات القانونية والأخلاقية.
          كخلاصة، يلاحظ أن استقراء التاريخ يثبت وجود ظاهرة العنف في صميم الحياة البشرية ..وهو عنف يبدو ضروريا أو إيجابيا بالنظر إلى دور الصراع الطبقي في التطور الإقتصادي (الماركسية)، أو إلى أهمية العنف في نشوء مفهوم الحق أو القانون (فرويد).

  المحور الثالث :                        العنــف والمشروعــية

        إذا كان العنف يتحقق في الممارسة الفردية والجماعية للإنسان، وتنبثق عنه وظائف اجتماعية واقتصادية، فهل يتحتم القول بمشروعيته باعتباره ضرورة وجودية تستلزمها المقومات الطبيعية للإنسان ؟ أم أن العنف لا يمكن إلا اعتباره من المساوىء التي لا يجب أن تحظى بالمشروعية بالنظر إلى تعارضه مع ما هو اجتماعي وقانوني وأخلاقي ؟
  1-  مشروعية العنف :
                 "الحـرب هي أم الأشيــاء كلها، هي ملـكة جميع الأشيــاء. إنها ترفــع البعــض إلى مرتبة الآلهـــة وتجعــل من البعــض الآخــر بشــــرا. تجعـــل البعــــض عبيـــدا والبعــض الآخـــر أحـــرارا "..    ينتمي  هذا  القول  للفيلسوف   اليوناني "هيرقليط" إلى التصورات التي دافعت عن مشروعية العنف والتي ستتجسد في مواقف فلسفية لاحقة من أبرزها :
  +  نيتشه :                                                                              
       تتمحور فلسفة "نيتشه" حول "إرادة القوة" التي يعتبرها جوهر الوجود البشري ومحركا للسلوك الإنساني..ومن هذا المنطلق يقدم تفسيرا خاصا للمسألة الأخلاقية، حيث يرى أن البشر هم الذين يصنعون خيرهم وشرهم، وأن الأخلاق نفسها غير أخلاقية بوصفها مجرد انعكاس لصراع القوة. فالمنبع الذي انبثقت منه القيم الأخلاقية هو الصراع بين القوي والضعيف، والذي أفضى إلى ثنائية تمثلها أخلاق السادة وأخلاق العبيد..فالأولى تمثل مبدأ خلاقا يستهدف تحقيق فكرة الإنسان الكامل أو "الإنسان الأعلى" (حب السيادة والمغامرة والقسوة..)، أما الثانية فتمثل مبدأ انحطاط وانحلال يقوم على تمجيد القيم فوق الحسية ويؤدي إلى إضعاف أو إعدام كل ما هو طبيعي غريزي أو حيوي  في الإنسان (حب العدالة والمساواة والرحمة..).. وهكذا فالفضيلة، في رأيه ،تتمثل في النزوع الدائم نحو السيادة والسيطرة بدل الطاعة والعبودية، وفي حب التملك والبطولة والمغامرة عوض التواضع والإستكانة، بل وفي تمجيد القسوة ونبذ الشفقة والرحمة. وبذلك يتخذ العنف صفة الخير، وكل ما يؤدي إلى إضعاف هذه النزعة هو الشر ذاته.                    
         وعموما يمكن اعتبار هذا التمجيد لإرادة القوة، عند "نيتشه"، بمثابة تأكيد على ضرورة العنف كمبدأ يعكس الطموح في تجسيد فكرة الإنسان الأعلى، وذلك في مقابل عدائه للسلم كحالة لا يرى فيها سوى انحطاطا وتدهورا للحياة كما يعبر عن ذلك ،بغير قليل من السخرية، في قوله :" الإنسان الذي أصبح حرا – وبالأحرى الروح التي تحررت – يدوس بقدميه الهناء الرزي الذي يحلم به تجار صغار ومسيحيون وأبقار ونساء وإنجليز وغيرهم من الديمقراطيين..إن الإنسان الحر محارب ". 
    2 - لا مشروعية العنف :
         إذا كانت بعض الفلسفات السياسية قد نظرت إلى العنف من زاويته الوظيفية التي تجعل منه أمرا مشروعا ما دام يشكل وسيلة لتحقيق نموذج أعلى للإنسان (نيتشه)، أوشرطا لقيام الدولة القوية (هوبز)، أو دفاعا عن مصالح طبقية (الماركسية)، أو عن الشعوب المضطهدة (فرانز فانون)، فمن الملاحظ أن تصورات أخرى تستبعد المشروعية عن العنف مهما كانت دواعيه وغاياته..ومن بينها :
+ حنا أرندت :                                                      
            في هذا السياق يندرج موقف "حنا أرندت" برفضها للتصورات التي تمجد العنف وتضفي عليه المشروعية..فالعنف ،في نظرها، تكمن خطورته في كونه يؤدي - بسبب طابعه الأداتي - إلى تحطيم كل سلطة قائمة ويهدد بذلك إمكانية قيام الجماعة نفسها كشرط للوجود البشري، وهو ما يوضحه قولها :" إن السلطة والعنف يتعارضان. فحين يحكم أحدهما حكما مطلقا يكون الآخر غائبا. ويظهر العنف عندما تكون السلطة مهددة، لكنه إذا ترك على سجيته سينتهي الأمر باختفاء السلطة "... فالعنف يحمل في ذاته بعدا انتحاريا يهدد وجود الإنسان، وخصوصا عندما يبلغ حدوده القصوى ويتحول إلى ما تسميه بالشر الجذري أو المحض Le mal radical (الإبادة والتقتيل الجماعي..). ومن ثم لا يمكن أن يحظى العنف بأية مشروعية حتى وإن بدا قابلا للتبرير في بعض الحالات (دفاع مشروع عن النفس أو مقاومة الإضطهاد والعنصرية..).
+ كـانــط :                                                                                                      
       يعتبر" كانط " أنه في النظام الجمهوري القائم على الدستور كإطار منظم للعلاقة بين الحاكم والمحكومين، يصبح العنف الموجه ضد السلطة الشرعية جريمة مدانة مهما كانت المبررات التي تقف وراءه بما في ذلك عنف الحاكم نفسه..ففي كل الأحوال، يبقى رئيس الدولة هو المصدر الشرعي لكل القرارات التي لا يحق للرعية الإعتراض عليها أو مواجهتها بالعنف الذي ليس له معنى ويؤدي إلى تقويض أسس الحكم أو السلطة ذاتها، ولا مجال بالتالي للعنف في نظام جمهوري يستند إلى الدستور كمرجعية قانونية..ولعل مما يفسر هذا الموقف الرافض لعنف الرعية ضد السلطة الشرعية ما عرف حول "كانط " من تنديد بمظاهر العنف التي رافقت أحداث  الثورة الفرنسية..
+ إريـك فـايــل :                                                    
           يضع "إ- فايل" الفلسفة في مواجهة العنف من خلال تأكيده على أن رهانها الأساسي هو نبذ العنف بوصفه تهديدا للعقل وتغييبا للمعنى. فمنطلق وغاية الفلسفة، باعتبارها خطابا يتأسس على العقل والمنطق ويعتمد الحوار كوسيلة ،هو القضاء على العنف أو جعل اللاعنف هو ما يميز الحياة البشرية؛ وحتى إن كانت بعض الفلسفات قد ارتأت استعمال العنف فذلك من أجل خلق حالة اللاعنف. ولذلك فالمخرج الذي يمكن من تجاوز العنف هو تغليب منطق الحوار والعمل على بلورة خطاب متماسك يسمح بتجاوز التناقضات أو الصراعات، لأن الغاية من تماسك الخطاب هو تماسك الجماعة البشرية..كما يرى "فايل" أن الحياة الإنسانية لا تتأسس على العنف والصراع بقدر ما تسعى إلى التمسك بالعقل وفكرة التماسك، وهو ما يوضحه تصوره للإنسان ككائن يهفو دوما إلى تجاوز حيوانيته حين يقول : " إن النشاط الحقيقي للإنسان يكمن في تحويله هذا الوجود المركب في اتجاه تقليص الطرف الأقل عقلانية فيه - بقدر الإمكان - ليصبح في النهاية عقلا بكامله..".
        كخلاصة ، يتضح أن إضفاء المشروعية على العنف ، أو نزعها عنه ، يرتبط بطبيعة التمثل الذي تنطوي عليه كل نظرة فلسفية إلى الإنسان...  فإذا كان العنف يكتسي طابع الضرورة في سياق تصور يركز على البعد الغريزي المتمثل في إرادة القوة التي تجنح إلى تغليب العدوانية الفردية على حساب الميول الاجتماعية للإنسان  (نيتشه)، فإن العنف يفقد كل مشروعية في ظل تصورات تنظر إلى الإنسان في أبعاده الاجتماعية والقانونية والأخلاقية التي تدفع به  نحو  التقليص من نزوعاته الفردية لضمان السلم والحفاظ على مقومات الحياة للجماعة البشرية (أرندت / كانط / فايل ).
        ختــامــا، يتبين أن العنف قد استأثر بالإهتمام  الفلسفي والعلمي  معا، وذلك في أفق استجلاء علاقته بالماهية الإنسانية في تعدد تجلياتها (طبيعية -  اجتماعية...) ويبدو أن العنف سيظل من الإنشغالات الأساسية للفكر البشري  ما دام  الرهان على اختفائه يصطدم بالممانعة، حيث لا يخلو العالم المعاصر من استمرار للعنف في أشكاله المألوفة (حرب -  احتلال...)، أو في تعبيراته الجديدة، سواء على مستوى العلاقات الإنسانية ( عنف الجماعات المتطرفة - عنف الملاعب -  العنف ضد الطفل والمرأة...)، أو في علاقة الإنسان بالطبيعة ( العنف ضد البيئة  والحيوان...).


1 commentaire: